كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} الِاسْتِطَاعَةُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ فِي طَوْعِكَ لَا يَتَعَاصَى عَلَى قُدْرَتِكَ، وَهُوَ أَوْسَعُ مِنَ الْإِطَاقَةِ، وَالطَّوْلُ: الْغِنَى وَالْفَضْلُ مِنَ الْمَالِ وَالْحَالِ، أَوِ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُطَالِبِ وَالرَّغَائِبِ، وَالْمُحْصَنَاتُ: فُسِّرَتْ هُنَا بِالْحَرَائِرِ خَاصَّةً بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهَا بِالْفَتَيَاتِ وَهُنَّ الْإِمَاءُ، وَالْحُرِّيَّةُ كَانَتْ عِنْدَهُمْ دَاعِيَةَ الْإِحْصَانِ، وَالْبِغَاءُ شَأْنُ الْإِمَاءِ، قَالَتْ هِنْدُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَتَزْنِي الْحُرَّةُ؟ وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُنَّ بِهَذَا اللَّقَبِ إِرْشَادٌ إِلَى تَكْرِيمِهِنَّ؛ فَإِنَّ الْفَتَاةَ تُطْلَقُ عَلَى الشَّابَّةِ وَعَلَى الْكَرِيمَةِ السَّخِيَّةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تُعَبِّرُوا عَنْ عَبِيدِكُمْ وَإِمَائِكُمْ بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمِلْكِ، بَلْ بِلَفْظِ الْفَتَى وَالْفَتَاةِ الْمُشْعِرِ بِالتَّكْرِيمِ، وَمِنْ هُنَا أَخَذَ مُبَلِّغُ الْقُرْآنِ وَمَبَيِّنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي أَمَتِي، وَلَا يَقُلِ الْمَمْلُوكُ: رَبِّي؛ لِيَقْلِ الْمَالِكُ: فَتَايَ وَفَتَاتِي، وَلِيَقُلِ الْمَمْلُوكُ: سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي، فَإِنَّكُمُ الْمَمْلُوكُونَ، وَالرَّبُّ هُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ أَيْضًا إِلَى زِيَادَةِ تَكْرِيمِ الْأَرِقَّاءِ إِذَا كَبِرُوا فِي السِّنِّ بِتَقْلِيلِ الْخِدْمَةِ عَلَيْهِمْ، أَوْ إِسْقَاطِهَا عَنْهُمْ.
وَالْمَعْنَى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا فِي الْمَالِ أَوِ الْحَالِ لِنِكَاحِ الْمُحْصَنَاتِ، أَوْ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ اسْتِطَاعَةَ طَوْلٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الطَّوْلِ نِكَاحَ الْمُحْصَنَاتِ اللَّوَاتِي أُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا نِكَاحَهُنَّ بِأَمْوَالِكُمْ، وَأُمِرْتُمْ أَنْ تَقْصِدُوا بِالِاسْتِمْتَاعِ وَالِانْتِفَاعِ بِنِكَاحِهِنَّ الْإِحْصَانَ لَهُنَّ وَلِأَنْفُسِكُمْ، فَلْيَنْكِحِ امْرَأَةً مِنْ نَوْعِ مَا مَلَكْتُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ، أَيْ: إِمَائِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْنَاهُ تَبَعًا لِجُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ كَوْنِ الِاسْتِمْتَاعِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ هُوَ النِّكَاحَ الثَّابِتَ، لَا الْمُتْعَةَ الَّتِي هِيَ اسْتِئْجَارٌ عَارِضٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ الِانْتِفَاعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الَّذِي شَكَا مِنَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِطَلَاقِهَا: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْآيَةُ تُجِيزُ الْمُتْعَةَ بِالْحَرَائِرِ لَمَا كَانَ لِوَصْلِ هَذِهِ الْآيَةِ بِهَا فَائِدَةٌ، وَأَيُّ امْرِئٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُتْعَةَ لِعَدَمِ الطَّوْلِ حَتَّى يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ فَيَجْعَلَ بِهَا نَسْلَهُ مَمْلُوكًا لِمَوْلَاهَا؟ فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَسْتَطِيعُهَا لِعَدَمِ رَغْبَةِ النِّسَاءِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْعَارِ، قُلْنَا: إِنْ صَحَّ أَنَّ هَذَا مِنْ عَدَمِ اسْتِطَاعَةِ الطَّوْلِ فَهُوَ لَا يُفِيدُ هَذَا الْقَائِلَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ عَدِّ الْمُتْعَةِ عَارًا فِي الْغَالِبِ هُوَ تَحْرِيمُهَا، وَمَنْ لَا يُحَرِّمُهَا كَالشِّيعَةِ فَإِنَّمَا يُبِيحُونَهَا فِي الْغَالِبِ اعْتِقَادًا فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَارَ الزِّنَا الْمُطْلَقِ أَشَدُّ لِغَلَبَةِ شُعُورِ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَاعْتِقَادِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَارَ الزِّنَا الْمُطْلَقِ أَشَدُّ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ سَائِرِ النَّاسِ مِنْ عَارِ الْمُتْعَةِ، وَقَلَّمَا يَتْرُكُهُ أَحَدٌ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَةِ الطَّوْلِ، وَإِنَّمَا يَتْرُكُهُ مَنْ يَتْرُكُهُ تَدَيُّنًا فِي الْغَالِبِ، وَخَوْفًا مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تَنْشَأُ مِنْهُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الزِّنَا كَانَ عَلَى الْمُتْعَةِ أَقْدَرَ، وَمِنَ الْغَفْلَةِ أَنْ تُقَيَّدَ الْأَحْكَامُ بِعَادَاتِ بَعْضِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمُ الِاجْتِمَاعِيَّةِ لِتَوَهُّمِ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ كَذَلِكَ فِي كُلِّ زَمَنٍ حَتَّى مِنَ التَّشْرِيعِ.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: فَسَّرُوا الطَّوْلَ هُنَا بِالْمَالِ الَّذِي يُدْفَعُ مَهْرًا، وَهُوَ تَحَكُّمٌ ضَيَّقُوا بِهِ مَعْنَى الْكَلِمَةِ، وَهِيَ مِنْ مَادَّةِ الطُّولِ بِالضَّمِّ، فَمَعْنَاهَا الْفَضْلُ وَالزِّيَادَةُ، وَالْفَضْلُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالطَّبَقَاتِ، وَقَدْ قَدَّرَ بَعْضُهُمْ كَالْحَنَفِيَّةِ الْمَهْرَ بِدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رُبْعُ دِينَارٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ مَا يُؤَيِّدُهُ، بَلْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُرِيدِ الزَّوَاجِ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ: «تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ»، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُ النَّبِيُّ بِالْتِمَاسِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ، وَتَزَوَّجَ بَعْضُهُمْ بِنَعْلَيْنِ، وَأَجَازَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يُقَيِّدِ السَّلَفُ الْمَهْرَ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ، وَتَفْسِيرُ الطَّوْلِ بِالْغِنَى لَا يُلَائِمُ تَحْدِيدَ الْمُحَدِّدِينَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَجِدُ أَمَةً يَرْضَى أَنْ يُزَوِّجَهَا سَيِّدُهَا بِأَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ نَعْلَيْنِ، وَفَسَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ- أَوْ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ- بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ حُرَّةٌ يَسْتَمْتِعُ بِنِكَاحِهَا بِالْفِعْلِ، أَيْ: وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مُتَزَوِّجًا امْرَأَةً حُرَّةً مُؤْمِنَةً فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً، فَحَاصِلُهُ عَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ (قَالَ): وَالطَّوْلُ أَوْسَعُ مِنْ كُلِّ مَا قَالُوهُ، وَهُوَ الْفَضْلُ وَالسَّعَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَالْمَادِّيَّةُ، فَقَدْ يَعْجِزُ الرَّجُلُ عَنِ التَّزَوُّجِ بِحُرَّةٍ، وَهُوَ ذُو مَالٍ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الْمَهْرِ الْمُعْتَادِ لِنُفُورِ النِّسَاءِ مِنْهُ لِعَيْبٍ فِي خَلْقِهِ أَوْ خُلُقِهِ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنِ الْقِيَامِ بِغَيْرِ الْمَهْرِ مِنْ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ، فَإِنَّ لَهَا حُقُوقًا كَثِيرَةً فِي النَّفَقَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْأَمَةِ مِثْلُ تِلْكَ الْحُقُوقِ كُلِّهَا، فَفَقْدُ اسْتِطَاعَةِ الطَّوْلِ لَهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ، والْمُؤْمِنَاتِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الْحَرَائِرِ وَلَا فِي الْإِمَاءِ أَيْضًا، وَإِنْ قِيلَ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، فَإِنَّهُ كَانَ نَهَاهُمْ عَنْ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهُنَّ أُولَئِكَ الْوَثَنِيَّاتُ اللَّوَاتِي لَا كِتَابَ لِقَوْمِهِنَّ، وَسَكَتَ عَنْ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ، وَالنَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ لَا يَشْمَلُهُنَّ- كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ص282 ج2 تَفْسِيرٌ- فَكَانَ الزَّوَاجُ مَحْصُورًا فِي الْمُؤْمِنَاتِ، فَذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ، أَيْ: وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُعَرَّضِينَ لِنِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِحِلِّ زَوَاجِهِنَّ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَهِيَ قَدْ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْوَصْفِ بِالْمُؤْمِنَةِ إِرْشَادٌ إِلَى تَرْجِيحِهَا عَلَى الْكِتَابِيَّةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ.
أَقُولُ: فِي هَذَا أَحْسَنُ تَخْرِيجٍ وَتَوْجِيهٍ لِمَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُمْ يَبْنُونَهُ عَلَى عَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الشَّرْطِ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ الْمُؤْمِنَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ الْمُؤْمِنَةَ بَلْهَ غَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ، وَظَاهِرُ وَصْفِ الْفَتَيَاتِ بِالْمُؤْمِنَاتِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ غَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ، وَقَدْ أَحَلَّ اللهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ نِكَاحَ الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ- وَهُنَّ الْحَرَائِرُ- فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: هُنَّ الْعَفَائِفُ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ آيَةُ الْمَائِدَةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ هُنَا لَا مَفْهُومَ لَهُ، أَوْ نَاسِخَةً لِمَفْهُومِهِ، أَوْ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِهِ إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ عَامٌّ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ خَاصٌّ، وَعِنْدِي أَنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ تَارَةً يَكُونُ مُرَادًا، وَتَارَةً لَا يَكُونُ مُرَادًا، فَإِذَا قُلْتَ: وَزِّعْ هَذَا الْمَالَ أَوِ انْسَخْ هَذَا الْكِتَابَ عَلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ الْفُقَرَاءِ تَعَيَّنَ أَلَّا يُوَزَّعَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ مَقْصُودَةٌ لِمَعْنًى فِيهَا كَانَ هُوَ سَبَبَ الْعَطَاءِ، وَإِذَا قُلْتَ: وَزِّعْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى الْخَدَمِ الْوَاقِفِينَ بِالْبَابِ، جَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا لِلْوَاقِفِ مِنْهُمْ وَالْقَاعِدِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ هَاهُنَا ذُكِرَتْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ الْمُعْتَادِ لَا لِمَعْنًى فِي الْوُقُوفِ يَقْتَضِي الْعَطَاءَ، فَبِالْقَرَائِنِ تُعْرَفُ الصِّفَةُ الَّتِي يُرَادُ مَفْهُومُهَا، وَالصِّفَةُ الَّتِي لَا يُرَادُ مَفْهُومُهَا، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ مِنَ الْقَرِينَةِ عَلَى اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْوَصْفِ بِالْمُؤْمِنَاتِ هُنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِي مُقَابَلَتِهِ إِلَّا الْمُشْرِكَاتُ وَهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ بِنَصِّ آيَةِ الْبَقَرَةِ، فَلَوْلَا الْقَيْدُ هُنَا لَتُوُهِّمَ نَسْخُ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يُذْكَرْ مِثْلُ هَذَا الْقَيْدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، فَفَهِمَ مِنْهَا أَنَّ الْمَسْبِيَّاتِ الْمُشْرِكَاتِ حَلَالٌ فَاسْتَمْتَعُوا بِهِنَّ يَوْمَ أَوْطَاسٍ، فَالْمَفْهُومُ هُنَا خَاصٌّ بِالْمُشْرِكَاتِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُشْرِكَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ هُنَّ مُشْرِكَاتُ الْعَرَبِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ مُفَسِّرِي السَّلَفِ فَحَرَّمَ نِكَاحَهُنَّ حَتَّى يُؤْمِنَّ؛ لِأَنَّ لِلْإِسْلَامِ سِيَاسَةً خَاصَّةً بِالْعَرَبِ وَهِيَ عَدَمُ إِقْرَارِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ؛ لِيَكُونُوا كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ يُقِرُّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَيَرْضَى مِنَ الدَّاخِلِينَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ؛ وَلِذَلِكَ أَجَازَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُوَادَّتِهِمْ أَنْ يُؤَاكِلُوهُمْ وَيَتَزَوَّجُوا مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ أَقَرَّ الْمَجُوسَ عَلَى دِينِهِمْ، وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ فَلَهُ حُكْمُهُمْ كَالْبَرَاهِمَةِ وَالْبُوذِيِّينَ، وَاللهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}، فَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْإِيمَانَ قَدْ رَفَعَ شَأْنَ الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَسَاوَى بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ هَذَا الْإِيمَانِ وَدَرَجَاتِ قُوَّتِهِ، وَكَمَالِهِ، فَرُبَّ أَمَةٍ أَكْمَلَ إِيمَانًا مِنْ حُرَّةٍ فَتَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، أَيْ: فَلَا يَصِحُّ مَعَ هَذَا أَنْ تَعُدُّوا نِكَاحَ الْأَمَةِ عَارًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فِي الْإِيمَانِ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [3: 195]، وَقَالَ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [9: 71]، وَقَالَ فِي غَيْرِهِمْ: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [9: 67]، إِلَخْ، وَقِيلَ: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي النَّسَبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا تَرَى فَالْإِيمَانُ هُوَ الْمُرَادُ، إِذْ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَنْكِحَ مَنِ اجْتَمَعَ فِيهَا نَقْصُ الشِّرْكِ وَنَقْصُ الرِّقِّ.
فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ أَيْ: فَإِذَا رَغِبْتُمْ فِي نِكَاحِهِنَّ- لَمَّا رَفَعَ الْإِيمَانُ مِنْ شَأْنِهِنَّ- فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ، قَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَهْلِ هُنَا الْمَوَالِي الْمَالِكُونَ لَهُنَّ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: الْمُرَادُ مَنْ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِينَ، فَلِلْأَبِ أَوِ الْجَدِّ، أَوِ الْقَاضِي أَوِ الْوَصِيِّ تَزْوِيجُ أَمَةِ الْيَتِيمِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ فِي الْفِقْهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ فِي تَزْوِيجِ أَوْلِيَائِهَا لَهَا وَعَدَمِ تَزْوِيجِهَا لِنَفْسِهَا، بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنَ الْحُرَّةِ فِي الْحَاجَةِ إِلَى إِذْنِ أَوْلِيَائِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لابد بَعْدَ رِضَا الْمَوْلَى بِتَزْوِيجِهَا مِنْ تَوَلِّي وَلِيِّهَا فِي النَّسَبِ لِلْعَقْدِ إِنْ كَانَ، وَإِلَّا فَالْمَوْلَى أَوِ الْقَاضِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ.
وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ: وَأَعْطُوهُنَّ مُهُورَهُنَّ الَّتِي تَفْرِضُونَهَا لَهُنَّ، فَالْمَهْرُ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَهُوَ لَهَا لَا لِمَوْلَاهَا، وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَخَالَفَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَأَوَّلُوا الْآيَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَآتُوا أَهْلَهُنَّ أُجُورَهُنَّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ بِأَنَّ قَيْدَ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ مُعْتَبَرٌ هُنَا، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمَهْرَ عِنْدَهُنَّ هُوَ حَقُّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ حَقِّهِ بِالِاسْتِمْتَاعِ وَمَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمَهْرَ لَهَا لَا يُنْكِرُ أَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ، وَكَوْنُ مِلْكِهِ لِسَيِّدِهِ، وَإِنَّمَا يَرَى أَنَّ الْمَهْرَ هُوَ حَقُّ الزَّوْجَةِ تُصْلِحُ بِهِ شَأْنَهَا وَيَكُونُ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا فِي مُقَابَلَةِ رِيَاسَةِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا، فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُ الْأَمَةِ الَّتِي يُزَوِّجَهَا أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهَا بِحَقِّ الْمِلْكِ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ لَهَا تُصْلِحُ بِهِ شَأْنَهَا فَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأَكْمَلُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا: إِذَا عُرِفَ مِنَ الشَّرْعِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلرَّقِيقِ أَنْ يَمْلِكَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مُعَيَّنًا كَمِلْكِ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ لِمَهْرِهَا، فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ أَوْ قَوَاعِدِ فِقْهِهِ؟ وَالْمَوْلَى مُخَيَّرٌ- مَعَ خُضُوعِهِ لِحُكْمِ رَبِّهِ- إِنْ شَاءَ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ، بَلْ فَتَاتَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ مَالِيٍّ مُكْتَفِيًا بِمَا قَرَّرَهُ لَهُ الْفُقَهَاءُ مِنَ امْتِلَاكِ ذُرِّيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَ طَلَبَ مِنَ الزَّوْجِ عِوَضًا مَالِيًّا وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {بِالْمَعْرُوفِ} جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مُتَعَلِّقًا بِإِيتَاءِ الْأُجُورِ، وَبَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: {فَانْكِحُوهُنَّ}، أَيْ: وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَكُمْ فِي حُسْنِ التَّعَامُلِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِذْنِ الْأَهْلِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِيتَاءُ الْأُجُورِ بِالْمَعْرُوفِ مَعْنَاهُ بِالْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَمْ يَقُلْ هُنَا كَمَا قَالَ فِي الْحَرَائِرِ: {فَرِيضَةً} لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِيهِ أَخَفُّ وَالْأَمْرَ أَهْوَنُ، وَالتَّسَاهُلُ فِي أُجُورِ الْإِمَاءِ مَعْهُودٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا إِشْكَالَ فِي إِعْطَائِهَا الْمَهْرَ مَعَ كَوْنِهَا لَا تَمْلِكُ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ يَقْبِضُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ- أَوْ قَالَ: أَصْحَابِ مَالِكٍ- أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا زَوَّجَ جَارِيَتَهُ فَقَدْ جَعَلَ لِلزَّوْجِ ضَرْبًا مِنَ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا لَا يُشَارِكُهُ هُوَ فِيهِ، فَمَا تَأْخُذُهُ مِنَ الزَّوْجِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ مَا أَسْقَطَ السَّيِّدُ حَقَّهُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَظٌّ مِنْهُ، بَلْ يَكُونُ لَهَا وَحْدَهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}، قَيْدٌ لِقَوْلِهِ: {فَانْكِحُوهُنَّ} أَوْ لِقَوْلِهِ: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْعَفَائِفَ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مَعْنَاهُ الْمُتَزَوِّجَاتِ، أَيْ: أَعْطُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ حَالَ كَوْنِهِنَّ مُتَزَوِّجَاتٍ مِنْكُمْ لَا مُسْتَأْجَرَاتٍ لِلْبِغَاءِ جَهْرًا وَهُنَّ الْمُسَافِحَاتُ، وَلَا سِرًّا وَهُنَّ مُتَّخِذَاتُ الْأَخْدَانِ، فَالْخِدْنُ: هُوَ الصَّاحِبُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَكَانَ الزِّنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: سِرٌّ وَعَلَانِيَةٌ، وَعَامٌّ وَخَاصٌّ فَالْخَاصُّ السِّرِّيُّ: هُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ خِدْنٌ يَزْنِي بِهَا سِرًّا فَلَا تَبْذُلُ نَفْسَهَا لِكُلِّ أَحَدٍ، وَالْعَامُّ الْجَهْرِيُّ: هُوَ الْمُرَادُ بِالسِّفَاحِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْبِغَاءُ، وَكَانَ الْبَغَايَا مِنَ الْإِمَاءِ، وَكُنَّ يَنْصِبْنَ الرَّايَاتِ الْحُمْرَ لِتُعْرَفَ مَنَازِلُهُنَّ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُحَرِّمُونَ مَا ظَهَرَ مِنَ الزِّنَا وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لُؤْمٌ، وَيَسْتَحِلُّونَ مَا خَفِيَ وَيَقُولُونَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلِتَحْرِيمِ الْقِسْمَيْنِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [6: 151]، وَالْمُرَادُ بِتَحْرِيمِهِمْ لِزِنَا الْعَلَانِيَةِ اسْتِقْبَاحُهُ، وَعَدُّ مَا يَأْتِيهِ لَئِيمًا، وَهَذَانَ النَّوْعَانِ مِنَ الزِّنَا مَعْرُوفَانِ الْآنَ وَفَاشِيَانِ فِي بِلَادِ الْإِفْرِنْجِ وَالْبِلَادِ الَّتِي تُقَلِّدُ الْإِفْرِنْجَ فِي شُرُورِ مَدَنِيَّتِهِمْ كَمِصْرَ وَالْآسِتَانَةِ وَبَعْضِ بِلَادِ الْهِنْدِ، وَيُسَمِّي الْمِصْرِيُّونَ الْخِدْنَ بِالرَّفِيقَةِ، وَالتُّرْكُ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الرَّفِيقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَمِثْلُهُمُ التَّتَرُ فِي رُوسْيَا فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا الْعُرْفِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْإِفْرِنْجِ وَالْمُتَفَرْنِجِينَ مَنْ هُمْ كَأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْتَحْسِنُونَ الزِّنَا السِّرِّيِّ وَيُبِيحُونَهُ، وَيَسْتَقْبِحُونَ الْجَهْرِيَّ وَقَدْ يَمْنَعُونَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُمُّ شَرٌّ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَبِيحُونَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَكِنَّ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ يَسْتَبِيحُونَهَا بِالْعَمَلِ دُونَ الْقَوْلِ!! وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ تَخْدَعُهُ جَاهِلِيَّتُهُ فَتُوهِمُهُ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى بَقِيَّةٍ مِنَ الدِّينِ إِذَا هُوَ اسْتَبَاحَ الْفَوَاحِشَ وَالْمُنْكَرَاتِ بِالْعَمَلِ فَوَاظَبَ عَلَيْهَا بِلَا خَوْفٍ مِنَ اللهِ، وَلَا حَيَاءٍ، وَلَا لَوْمٍ مِنَ النَّفْسِ وَلَا تَوْبِيخٍ بِشَرْطِ أَلَّا يَقُولَ هِيَ حَلَالٌ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَحَدُ الْأُمَرَاءِ مَرَّةً عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قَوْلَهُ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمُعَامَلَاتِ: إِنَّهَا مِنَ الرِّبَا، وَقَالَ: إِنَّنِي أَنَا آكُلُ الرِّبَا لَا أُنْكِرُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّنِي مُسْلِمٌ لَا أَقُولُ إِنَّهُ حَلَالٌ!! فَكَأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ أَنْ يَعْتَرِفُوا بِأَنَّهُ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَالْمُنْكَرَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْتَنِبُوهَا، وَبِأَنَّهُ فَرَضَ الْفَرَائِضَ وَاسْتَحَبَّ الْمُسْتَحَبَّاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَدُّوهَا، وَيَجْهَلُ هَؤُلَاءِ الضَّالُّونَ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّ الْإِسْلَامَ حَرَّمَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَوْجَبَ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ، فَهَلْ صَلَحَتْ بِذَلِكَ نُفُوسُهُمْ وَأَحْوَالُهُمُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ، وَصَارُوا أَهْلًا لِرِضْوَانِ اللهِ وَثَوَابِهِ؟!